| ||||
قال أحدهم: "نشهد بالله تعبنا من التوصيل .. وما عندنا فلوس .. عندي أربعة تصوّر. وممتازين. لكن يشكوا. بصراحة لا أريدهم يتخلفوا. والمنافسة شديدة. صحيح دورات التقوية مفيدة لكنها وصمة في نظامنا التعليمي .. ليش فاتحين المدارس والكليات؟". قلت ما فيش داعي للمبالغة. ربما المنهج ثقيل. ربما لأن أعداد الطلبة أكثر من اللازم وهذه حقيقة مؤسفة؟
محاضرة إملاء منقولة!
سألت أكثر من طالب وطالبة، أعرف أنهم ممتازين وإلا ما دخلوا كليات علمية أساسا: ما المشكلة؟ قالوا: "الأساتذة لا يشرحون لنا، وأغلبهم يضيعوا الوقت في الكتابة على السبورة، يكتبوا المحاضرة بكاملها. ونحن نضيع الوقت في نقلها".
هذه حقيقة. لم أصدق أن أساتذة الجامعة الذين نالوا شهاداتهم العليا في الخارج ، واشتغلوا هناك على الكمبيوتر .. إلخ، عندما يعودوا إلينا يتقهقروا إلى عصر غرف الكتبة والنقلة كما كان الناس يفعلون في عصر الفراعنة .. وفي دكاكين الوراقين في بغداد قبل ألف عام! كيف تتحول محاضرة جامعية إلى ما كنا نسميه إملاء منقولة، في عصر ثورة المعلومات!!.
ما معنى المحاضرة؟ أليس من المفروض أن يشرح لهم الأستاذ الأساسيات .. ثم يراجعها الطالب من أحد الكتب التي يقرره الدكتور وحسب الفصول التي يشير إليها؟ ثم هناك معامل ودروس وتطبيقات عملية وكلها لترسيخ المعلومة في ذهن الطالب. وطبعا بإمكان الأستاذ أن يعد مذكرة ملخصة. وهذا ييسر له الأمر، يجمع محاضراته في ملف مطبوع (وليس مكتوبا باليد) ويضعه في مكتب تصوير. بذلك يوفر الوقت على الطلبة ويوفر على نفسه جهد السبورة والطباشير!.
التقوية ليس بيزنس فقط بدليل إلتجاء الطلبة إليها .. ويقولون أنهم يستوعبون أكثر من أساتذة هذه الدورات .. بل ثمة من اشتهروا في تدريس مواد معينة وهذا بإجماع الطلبة.
تصحيح بالجملة
يشكو الطلبة أيضا من التصحيح. وأن هناك أساتذة لا يصححون أوراق الامتحانات. هذه ربما مبالغة طلبة. وأن هناك "واسطة" .. فالطالب الذي يعرفوه شخصيا يحصل على تفوق دائم. لكن هذا إذا حدث فمحدود جدا. هناك مشكلة أخرى. وهي عادة التصحيح "على النتيجة" في المواد الرياضية. كيف يعطي الأستاذ صفر لطالب رغم أنه يعرف القانون المطلوب ويطبقه خطوة خطوة لكن نتيجته خطأ لسبب ما .. مثلما يعطي صفر لطالب أو طالبة تسلم ورقة الإجابة بيضاء؟ هذا إجحاف.
ثم ماذا يعني أن يرسب 70% في مادة معينة؟ هل هو تشدد كما يتوهم الأستاذ؟ أم أنه في الحقيقة تقييم غير مباشر للأستاذ نفسه .. ومدى نجاحه أو على الأصح فشله في نقل المعلومات إلى طلابه.
بعدين لماذا لا تعاد أوراق الامتحانات الجزئية أو "امتحانات الفترة" إلى الطلبة؟ أو على الأقل تناقش ؟ فهكذا نعطي فرصة للطالب لكي يعرف أخطاءه استعدادا لامتحان آخر السنة.
هل أستاذ الجامعة معصوم ؟
أحيانا يحدث ما هو أسوأ. الأستاذ يضع أسئلة عن مسائل ومواضيع لم يكن قد شرحها لهم. ربما ضغط عليه الوقت واختار أسئلة من امتحان قديم. باهي لماذا لا يحتج الطلبة؟ الإجابة المؤلمة: "معقولة. بعدين يربط لي عليها"! هل وصل الرعب إلى هذه الدرجة؟ هل أستاذ الجامعة إله؟ ولماذا لا نطبق نظام التقييم الدوري لأساتذة الجامعة من قبل طلبته، كما في بقية بلاد الله المتقدمة؟ وهذه لا تعني التقليل من قدرهم أو بقصد معاقبتهم، لكنها تستحثهم على رفع مستوى آدائهم باستمرار. وعلى أية حال أستاذ الجامعة ليس محصّنا. قد يكون عالم وعبقري لكن غير قادر على توصيل المعلومة وتبسيطها. بل نستطيع القول أن انتشار دورات التقوية المسائية هي نوع من الاستفتاء على قدرة كلياتنا وأساتذتها على تفهيم الطالب .. خاصة إذا تذكرنا أن طلبة الكليات العلمية ليسوا أغبياء، بل هم نخبة خريجي الثانويات.
ثم ماذا ؟
طبعا طلبتنا على المستوى الجامعي مظلومين .. يدخلون الطب أو العلوم أو الهندسة، وفجأة يصبح كل شئ باللغة الإنجليزية التي لم تعدهم لها المرحلة الثانوية. لكن نرجئ هذا الجانب. ولنا عودة لمشكلة ازدواج اللغة في التعليم العالي.
وختاما سألت رأي صديق مهتم بالموضوع هو الآخر فعلق: "التعليم عملية مركبة ولا شك. لكنها علاقة إنسانية .. جوهرها العناية والحنان. أساسها أن المدرس يأخذ بيد تلاميذه ويحثهم ويناقشهم ويشجعهم. عندنا نماذج أخرى للأسف. بعضهم ينظر لطلبته بضيق وقد يتعامل معهم كقاضي يريد أن يصدر أحكام. وجامعاتنا لا تهئ أساتذتها لمهارات التعليم بدورات في أصول التربية بعد عودتهم. بعض الأساتذة أفضل أن يكونوا بحاث. وفي كل الأحوال حرام أن يدفع الطالب ثمن كل هذه المشاكل وعلينا أن نصحح قصور تعليمنا، وإلا سنزرع فيهم كراهية لمواضيع دراستهم. وفي النهاية المجتمع هو الذي يدفع الثمن!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق