رائدات من ليبيا
صالحة طاهر افتيتة
بقلم:مراد الهوني
بقلم:مراد الهوني
عظيم فى النهوض و الرقى الذى شهدته بلادنا فى الماضى و بالرغم من الضروف الحياتية الصعبة و التخلف و الجهل الذى استشرى فى بلادنا بعد سنوات من القهر و الظلم زمن الاحتلال الايطالى الذى ضيق الخناق على الليبيين و وضع امامهم حدودآ كانت عائقآ و اكمال تعليمهم و برغم ذلك فقد استطاعت المرأة الليبية بفظل تشجيع مجتمعها و اهلها ان تشارك الرجل و ان تدعمه فى السعى نحو تجاوز سلبيات الماضى البغيض و بناء ليبيا الدولة الفتية وقتها فاثيتت وجودها بمثابرتها و ارادتها و قدرتها على تحمل مشاق الدور الذى انيط بها و من بينهن كانت المربية الفاظلة المرحومة صالحة طاهر افتيتة المولودة ببنغازى فى العام 1930 التى كانت من الفتيات الاوائل التى سمح لهن اهلهن بمواصلة تعليمهم حتى انهت دراستها عن جدارة و استحقاق لتتحصل على دبلوم المعلمات فى وقت كان تحصيل التعليم حكرآ على الرجل لتتعين بعدها فى شهر يناير من العام 1946 مدرسة حيث باشرت عملها بمدرسة البنات ببنغازى و من ثم انتقلت للتدريس بمدرسة درنة للبنات بميدان البلدية و التى كانت مديرتها انذاك مفيدة الخوجة احدى رائدات التعليم بمدينة درنة و هى المدرسة التى سمحت السلطات البريطانية بافتتاحها عام 1943 بالحاح من المجلس البلدى لمدينة درنة و رجال التعليم البارزين أمثال الاساتذة : عبدالكريم جبريل و عبدالرحيم لياس و محمود دربى و غيرهم و كانت المعلمة صالحة احدى اعظاء هيئة التدريس بها الى جانب المعلمات فتحية شنيب و ابتسام شنيب و زينب جعودة و غائبة التوام و هى مدرسة سورية و كان المنهج المقرر فى المدرسة هو المنهج المصرى بأستثناء مادتى التاريخ و الجغرافيا و كان سبب انتقالها الى مدينة درنة هو انتقال اسرتها للاقامة بها بعد ان نقل عمها محمد افتيتة الذى كان يشغل مساعدآ لمدير سجن بنغازى القديم للعمل بسجن درنة و هو الذى رعاها و اخوتها فتحى و خيرية بعد وفاة والدهم و الذى كان اكبر اخوته الخمسة سنآ فى العام 1930 و اصبح لها ابآ ثانيآ بعد ان اقترن بوالدتها لكى يحافظ على هذه العائلة الصغيرة لتعيش فى كنفه و تحت رعايته كعادة معظم الاسر البنغازية القديمة فى مثل هذه الامور فعمل المرحوم محمد افتيتة على تنشئة اولاده و ابناء اخيه و منهم الفتاة الصغيرة انذاك صالحة على حب العلم و التزود بالمعارف فادخلها و اختها التى كانت تكبرها بسنوات قليلة المدارس الابتدائية فى وقت كان دخول الفتيات اليها من المحرمات فاتمت تعليمها بارادة قوية و ثقة عالية بالنفس لتنجح فى اختبارات الدراسة فى سنتها النهائية و هى الشهادة الايتدائية و هو المستوى الاعلى الذى يمكن لفتاة فى مثل سنها بلوغه فى تلك الفترة نهاية الثلاثينيات من القرن الماضى و التى شهدت بدايات النهاية لاحتلال ايطالى غاشم عبث باحلام من هم فى سنها من الاطفال الليبيين الذين عانوا ويلات هذا الاحتلال بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى لتفرض عليهم الحرب العالمية الثانية بعد ذلك نمطآ معيشيآ عكس حالة من القلق و الترقب و الخوف سيطرت على عقولهم و احلامهم و حياتهم لتتحول الى جحيم لا يطاق و تغدو مدينة بنغازى فى ظل هذه الحرب الضروس مدينة من الاشباح بعد ان هجرها اهلها و ساكنيها الى مناطق اكثر أمنآبعيدآ عن القصف و اعمال التنكيل التى تعرض لها مواطنيها على يد عصابات الفاشيين الايطاليين و لم يتبق فيها الا عدد بسيط لم تمكنه ضروفه الصعبة من المغادرة و بعد ان وضعت الحرب اوزارها عادت معظم الاسر البنغازية الى بيوتها و عادت الحياة شيئآ فشيئآ الى طبيعتها وعادت احلام اطفال هذه المدينة فى مستقبل اكثر امنآ و امان لتطفو على السطح وسط ركام هذه الحرب و مخلفاتها و من بين هذه الاحلام كان حلم هذه الفتاة الصغيرة التى اصبحت شابة يافعة ان تستكمل تعليمها و تصبح مدرسة و لان ليبيا وقتها بدأت فى خوض معاركها لمحاربة التخلف و الجهل و الامية و للاعداد المتزايدة من الفتيات الراغبات فى الالتحاق بركب التعليم فقد تم اعداد مجموعة من المعلمات اللواتى اقيمت لهن دورات دراسية مكثفة لتأهيلهن كمدرسات لاولى مدارس البنات قبل الاستقلال التى كانت فى معظمها تحت اشراف الادارة الانجليزية و نجحت فى تبوء مكانتها كمدرسة للغة العربية بمدرسة البنات ببنغازى و كذلك فى مدرسة البنات بدرنة حتى عودة اسرتها فى بدايات الخمسينيات حيث قامت بالتدريس بمدرسة الاميرة الى جانب شغرها لمنصب نائبة المديرة و التى كانت وقتها الناظرة حميدة العنيزى و كان ذلك فى العام 1953 و رغم شظف العيش و قلة الحيلة عند معظم اهالى المدينة الذين خرجوا بالكاد من ضروف الحرب تلك الا ان رغبتهم فى تعليم ابنائهم و بناتهم و تربيتهم التربية الصادقة كانت من الاسباب التى دعت ادارة التعليم وقتها الى فتح مدارس جديدة داخل المدينة و فى اطرافها حتى تسهل على الطلبة امكانية الالتحاق بالمدارس القريبة من احيائهم فتم على أثر ذلك تكليف الاستاذة الشابة صالحة بادارة مدرسة البركة للبنات لتصبح ناظرتها اعتبارآ من تاريخ 10-4-1956 و انتقلت بعد ذلك عام 56- 57 كناظرة لمدرسة بن عيسى الابتدائية للبنات و خلال عام 58 – 60 مديرة لمدرسة العيساوى الابتدائية للبنات بشارع العيساوى بالبركة و خلال عام 60 – 61 مساعدة ادارية لمدرسة بنغازى الثانوية للبنات لتعود بعد ذلك و بناء على رغبتها لشغر منصب مديرة لمدرسة العيساوى للبنات و خلال عملها بسلك التدريس تلك اختيرت كمديرة للدورات الخاصة بالتغذية المدرسية للمدرسات اعتبارآ من 13 – 7 1963 و خلال عام 68 – 69 كمديرة لمدرسة البركة النموذجية للبنات و تم بعد ذلك نقلها للعمل كمديرة لمدرسة البركة الاعدادية للبنات اعتبارآ من 4 – 2 – 1970 و استمرت فى ادائها لوظيفتها هذه حتى تاريخ 24 – 2 – 1971 و هو التاريخ الذى تقدمت فيه بطلبها للتقاعد لظروف اجتماعية كما ذكرت فى طلبها انذاك بعد مسيرة تربوية و تعليمية حافلة بالعطاء و الجهد من اجل نهضة و رقى هذا الوطن الذى كان انتماء اناس على شاكلتها اليه من الاسباب التى عجلت فى خروجه من محنته تلك و من اعادة بنائه على اسس سليمة و راسخة ديدنها بناء الانسان النموذجى و تنشئته و تربيته ليكون ذخرآ لهذا الوطن و زاده المستقبلى فتربت على يدى هذا الجيل من المربيات الفاظلات الاف من الطلبة و الطالبات الذين لازالوا يذكرون بالعرفان و الفظل ما قدمته هولاء المعلمات اللواتى نتذكرهم من خلال هذه المربية الفاظلة المرحومة صالحة طاهر افتيتة التى كان لها ايظآ نصيب وافر من المشاركة و المساهمة فى بدايات العمل الاهلى فى ليبيا و فى بنغازى بالذات من خلال الانخراط فى نشاطات جمعية النهضة النسائية فعملت و مجموعة من المدرسات االمتطوعات فى دورات لمحو الامية لعظوات الجمعية و فى غير ذلك من الانشطة التى كان لها السبق فى القيام بها فكانت هى و غيرها بعملهم الانسانى هذا مدعاة للفخر عند اهلها و بين اقرانها وقد رزقت المربية الفاضلة صالحة افتيتة باربعة من الابناء ثلاثة من البنات وابن واحد ( هالة – مها – منال – مروان ) كانت لهم الام الحنونة الام التى لم تدخر جهدآ فى تربيتهم التربية المثلى على الفضيلة و الاخلاق و التمسك باهداب ديننا الحنيف و تعاليمه و على حب العلم و هى التى انيطت بها مهمة التربية و التعليم لاجيال من الطلبة و الطالبات فتحصل ابناؤها على اعلى الدرجات العلمية من بكالوريس و ليسانس و ماجستير و الفضل لله اولآ و لوالدتهم من بعد الله ثانيآ
انتقلت المرحومة صالحة الى الرفيق الاعلى بتاريخ 14 – 11 – 2000 و شيع جثمانها الطاهر الى مقبرة الهوارى حيث وورى الثرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق