الخميس، 3 نوفمبر 2011

علي خليفة الزائدي .. رجل ورسالة


علي خليفة الزائدي .. رجل ورسالة
بقلم: سالم الكبتي


منذ مائة عام من الآن..في 1909، ولد علي خليفة الزائدي في الخمس المدينة الساحلية الليبية الواقعة شرق طرابلس، وعلى مقربة منها لبدة الكبرى الضاربة في جذور التاريخ. تلك المدينة شهدت ولادة شخصيات ليبية أخرى كان لها دورها الوطني والاجتماعي، وستلتقي في مرحلة موالية مع الزائدي، بطريقة ما، بشير السعداوي، وبكري قدورة، وغيرهما. هما أيضاً هاجرا إلى الشام وأقاما في سوريا ليؤسس الأول مع بقية رفاقه من المهاجرين الليبيين جمعية الدفاع الطرابلسي البرقاوي، وليسهم الثاني في نهضة التعليم والتربية في سوريا ثم ليصبح رئيساً لكشافتها.

في الصورة، علي خليفة الزائدي مع تلاميذه: يوسف فاضل، محمد المجدوب القماطي، عبدا لقادر غوقة، جمعة إبراهيم منصور، البخاري سالم حودة، في أحد المخيمات الكشفية عام 1960.

هاجر الزائدي مع أسرته إلى لبنان عام 1914، بعد ثلاث سنوات من الغزو الإيطالي لليبيا، وكانت مدينته الخمس شهدت أعتى المعارك وأقواها تصدياً للإيطاليين في المرقب مطلع عام 1912، والتي شارك فيها العديد من الليبيين من مختلف المناطق، وبالطبع كان الزائدي من بين المشاركين.
الوالد لم يستطع التعايش مع الإحتلال فهاجر ليقيم في لبنان وكان عمر أبنه (علي) وقت الهجرة خمس سنوات، الأسرة تتكون من والدته السيدة حليمة الشويهدي وشقيقه مصطفى ثم ولدت اختهما في لبنان.. أرض الهجرة..
علي الزائدي، خالته شقيقة والدته كانت زوجة لأحد أعلام الجهاد بمصراتة وكانت شهرته على إمتداد الوطن بأكمله وهو (التهامي قليصة) من رفاق رمضان السويحلي، ورئيس المالية في حكومته الوطنية وكذا شقيقه سعدون وغيرهما، وأحد الذين أسهموا في تكوين الجمهورية الطرابلسية عام 1919، (توفي بمهجره في مصر 1930) هذه الإضاءات الوطنية السريعة شكلت شخصية الزائدي، رجلاً وطنياً ينتمي إلى أرضه، ثم قائداً كشفياً ومتمرساً في هموم الشباب وقضاياه واحتياجاته.
لا شك أن علي الزائدي، تشرب من والده وأسرته والمهاجرين الليبيين في الشام الأخبار الوطنية وأنباء الجهاد في بلاده ضد المحتلين وشاهد أيضاً القوات الفرنسية في بلاد الشام (سوريا – لبنان) وأفعالها العدوانية هناك، وعرف أن الاستعمار واحد سواء في ليبيا أو لبنان في أساليبه وغزوه واستهدافه الدين والهوية والأرض والإنسان.
ألتحق الزائدي بالدراسة وتخرج في الكلية الإسلامية في بيروت ولأنه أكبر الأولاد سناً تولى أمر العائلة بعد وفاة والده، وأنتسب للحركة الكشفية عام 1927 وتدرج في صفوف جمعية الكشاف المسلم، وخلال هذه الفترة وهو (الشاب الليبي) لم ينقطع عن شؤون وطنه وهمومه: سيسمع عن المعتقلات الفاشية وألوان العذاب والمهانة التي يلاقيها شعبه على أيدي الطليان، وسيتواصل مع أصداء إعدام الشهيد عمر المختار، عام 1931، وغيره من المناضلين، وسيرتبط بالنشاط الوطني للجالية الليبية في بيروت ودمشق - سيعرف هنا بشير السعداوي، وعمر فائق شنيب، وفوزي النعاس، وخليفة شعبان، وعبدالغني الباجقني، ونوري السعداوي، شقيق بشير وكان مقيماً في بيروت.. وغيرهم، لا بد أنه سيتأثر بهذا النشاط ويزيده وطنية ويجعله أكثر التصاقاً بقضايا بلاده وليغرس ذلك في نفوس كشافيه عبر المخيمات والمعسكرات التدريبية وتلقين الدروس والأناشيد والأهازيج التي برع فيها وأحبها وشعر بأنها وسيلة عظيمة وفعالة في صقل الأجيال وإعدادها، وقام بتوجيه رسائل عديدة عن هذه الأنشطة إلى الجمعية في دمشق في تواصل مستمر مع مواقفها الوطنية.
أعد الزائدي، كتيباً عن نشاط المهاجرين الليبيين في بلاد الشام وتركيا وأصدره في بيروت عام 1952، ونشر مقالة في مجلة (القلم الجديد) بعمان في عددها، يوليو 1953، تحدث فيها عن أدوار هؤلاء المهاجرين ونشاطاتهم وإسهاماتهم الكبيرة في حركة المجتمع في تلك البلدان وكان منهم المدرسون والقضاة والفقهاء والفنانون ورجال الدرك والجيش والمالية والطلبة وسواهم من كفاءات ليبية أسهمت في العمل والنهوض والتنوير، وما كان الزائدي ليكتب أو يشير إلى هذه الأدوار لو لم يكن على إلمام كامل بها، ومشاركاً فيها وشاهداً عليها وفاعلاً من خلالها ويعرف معرفة واعية وشاملة الإسهام الكبير لمواطنيه الليبيين في مجتمع الهجرة والغربة القاسية وقد كان له شخصياً الدور المهم في تطور الكشفية في لبنان، وكتب العديد مكن المؤلفات عن مناهجها ومطالبها وفنونها.
عاد الزائدي إلى وطنه عام 1953، ليؤسس في فبراير 1954، نواة الحركة الكشفية في ليبيا بفرقة ضمت (37) كشافاً كان مقرها في حجرة متواضعة بفناء مدرسة طرابلس الثانوية وينهض بمسؤوليتها مع المخلصين منهم الذين شاركوا بكل تضحية وحبات عرق مباركة بل بقطرات من الدم في بعض الأحيان، وليوحد من الشباب في بلد متخلف وفقير مترامي الأطراف خرج مرهقاً من معاناة الحروب.
تنامت الحركة الكشفية بفضل جهود الزائدي وانتشرت في جميع المدن والمناطق والواحات وارتبط بها المواطن العادي والمسئول وكل أفراد المجتمع واسهم أعضاؤها في خدمة المجتمع بشكل راق وممتاز وليصبح (كشاف ليبيا) من الهيئات ذات الشهرة العربية والدولية في وقت قصير من الأعوام، ونجح أيضاً في ضم فتيات البلاد إلى مساعيه بتأسيس حركة المرشدات.
كان لدى الزائدي عزيمة لا تلين وحماس متدفق لا يتوقف، وهمة عالية لا تقهرها الصعاب، التي ظل طوال حياته يهزأ بها ويسخر منها وأعطى مثالاً حي للتضحية على الدوام من أجل الآخرين والعمل في سبيلهم.
في اليوم الثلاثين من ديسمبر 1966، بعد معاناة مع المرض العضال توفي الزائدي بمستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت واحتضنه تراب بلاده في اليوم الثالث من يناير 1967، بمقبرة الصحابي منيذر في طرابلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق