سعى العقيد الليبي، في شهر مارس، للتفاوض مع شركس مصراتة. مبادرة الزعيم الليبي تمنحنا الفرصة لسرد التاريخ المضطرب لهذا «الشعب» الذي يرجع أصوله إلى شمال القوقاز والذي اندفع جزء كبير منه إلى الشرق الأدنى وشمال أفريقيا نتيجة لمآسي التاريخ.
وها هنا في مصراتة، وعلى خطوط الجبهات بين القوات الموالية للقذافي والثوار الليبيين، يتواجد 10000 شركسي من جديد في صخب الحرب. قبيلة ملتحمة وتتمتع بسمعة المحاربين، هؤلاء الشراكسة، من أصول شمال القوقاز ما يعرف الأنبروسيا، يتلقون تودد «قائد الثورة». في 8 مارس، وفقا لموقع مؤسسة جيمس تاون وهي مؤسسة فكرية أمريكية، أرسل القذافي مبعوثين إلى عمان للتفاوض مع مجلس قبيلة شراكسة الأردن لإقناع إخوتهم في مصراتة للحاق بالنظام. كما قد وفّر القذافي طائرة تحت تصرف المجلس لضمان نقل ممثليهم إلى مصراتة.
كان من الأفضل تجهيز الوسائل. النجاح كان أبعد من أن يضمن. وكما ستفشل هذه المبادرة فيما بعد.
في الواقع، قد تم تهميش هذا المجتمع، وهو عبارة عن مجموعة قبائل أكثر من أن يكون شعبا، منذ عام 1975 وبعد محاولة الانقلاب التي قام بها أحد الشراكسة الرائد عمر المحيشي. ومنذ ذلك الوقت عهد القذافي جيشه لأقاربه وليس لقبائل أو مجتمعات مختلفة ومتنوعة. وبهذا انشغلت كبرى العائلات الشركسية في مصراتة بالتجارة.
مع ذلك، في ذاكرة تلك العائلات، لازالت فكرة الحرب موجودة. وتعتقد نفسها أنها ترجع إلى المماليك، العبيد المحررين والذين كانوا يشكلون ميليشيات الخلفاء المسلمين والإمبراطورية العثمانية. الكثير منهم ترجع أصوله إلى القوقاز (على الأقل منذ القرن الرابع عشر). بعد سنة 1805، عزز محمد علي باشا، ذو الأصول الألبانية وأصبح قائد الجيش العثماني، حكم سلالته التي أقامها بمصر بأن أخفى كل من يهدد سلطته. بدءا من المماليك: بأن نصب لهم فخا دمويا في الأول من مارس عام 1811 في قلعة القاهرة. أما من استطاع الهروب فقد اتجه إلى الغرب إلى ليبيا في الوقت الحاضر.
ولكن من الممكن أن بعض شراكسة مصراتة، مثل أغلب إخوتهم الذين تشتتوا في المنطقة، وخاصة في تركيا(حيث يبلغ عددهم الآن من 1 إلى 2 مليون )، خرجوا جراء النفي الإجباري لعام 1864. ونظرا لتقدم جيش القيصر على أراضيهم في شمال غرب القوقاز، اقترح ممثلي الشركس انصياعهم للإسكندر الثاني في مقابل هدم الحصون التي بنتها قواتهم مؤخرا في جبالهم. كان الرد فظيعا: «ستذهبون للاستقرار في الأماكن التي نحددها لكم أو تهاجروا إلى تركيا.»
رضخ 100000 شركسي لرغبة القيصر واستقروا في سهول كوبان. أما الغالبية الساحقة، بين 700000 و1.5 مليون شخص، قاوموا قبل أن يجبروا على نفي رهيب عبر البحر الأسود حيث مات الكثير من الجوع والمرض. كما وضّح المؤرخ مايربك فاتشاقايف: « هذه الإبادة الجماعية هي الفكرة الوحيدة التي توحد الشركس، سواء هؤلاء الذين تشتتوا أو الذين مازالوا يعيشون في روسيا، بقدر ما كانت هذه القضية مؤلمة» (اقرأ جان ارنولت ديرون ولورلن جيسلان، «البحر الأسود من ميناء إلى ميناء» لوموند ديبلوماتيك اغسطس 2010).
ويا للسخرية القدر، فهاهم أحفاد من بقى في القوقاز الشمالية – وهي منطقة ضحية متمردين إسلاميين ليست إلا أخر تجسيد لغزوات القرن التاسع عشر- من يخدم مصالح فلاديمير بوتين في المشاحنات التي أجراها مع الرئيس ميدفيدف. إن رئيس الوزراء الروسي ليس من النوع الذي يأبه لمصير أسلافه. لكن، خلال شهر مارس 2011، انتقد ديميتري ميدفيدف بشدة بوتين بعد أن قارن التدخل الغربي بليبيا بالحرب الصليبية. يبدوا أن شبكاته أقنعت مجموعات وشخصيات مختلفة من تشركيسيا قراتشاي لتقديم مساعدتهم للعقيد القذافي.
في عام 1864، أخذ الانتصار مظهرين للقيصر. كأن«بقدر ما كان انتصار لصعوبة فتح القوقاز بقدر ما كانت انتكاسة لحقت الإمبراطورية البريطانية في محاولتها بقطع الطريق على روسيا إلى البحار الساخنة» كما ورد في تقرير الصحفي ايريك هويسلي، هذه القصة الرهيبة هي حلقة من « اللعبة الكبرى»، نوع من الحرب الباردة التي خاضتها الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية في القرن التاسع عشر.
وفي هذه « اللعبة»، تلعب لندن أوراقها أحيانا مع وكلاء ضعيفي التأثير. مثل ديفيد اوركاهارت، نصفه رجل أعمال والنصف الآخر جاسوس، الذي، في أعوام 1830، يشجع الشركس على إنشاء دولتهم. «لورانس القوقاز» الذي نشر «إعلان استقلال الشعب الشركسي»، ووفّر لهم علم وطني.
وبعد مرور قرن ونصف، بقت سنة 1864 في عمق ذاكرة القوقازيين. بعد أن غزت روسيا جزءا من بلادهم في أوائل أغسطس 2008، قرر البرلمان الجورجي إثارة شبح الاعتراف ب «الإبادة الجماعية للشركس». هذا وقد تم ذلك في 20 من مايو الماضي بواسطة تصويت بالجماع في البرلمان، مما أثار غضب الكرملين في حين أن سوشي، مدينة في شمال غرب القوقاز، ستستضيف الألعاب الاولمبية لشتاء 2014.
وفقا لعالم السياسة السيد غيا نوديا، احد المقربين من الرئيس الجورجي، « هذا الاقتراح كان إجابة لدعوة من ممثلي الشركس. والحكومة الجورجية أعطتهم الفرصة لاثارة القضية». لا تهتم إدارة اوباما، التي تسعى لتحقيق الاستقرار في علاقتها مع موسكو، بهذا الموضوع. وقد صرح جامب كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية للولايات المتحدة، بأن« الجهود العامة لجورجيا لإقامة علاقات مع مختلف المجموعات العرقية في القوقاز في شمال روسيا تساهم في تغذية الضغط داخل المناطق». وعلى هذا ردّ السيد نوديا: «لا أرى في ذلك شيء من طبيعته زعزعت الاستقرار في المنطقة. شخصيا ليس لدي أي شيء ضد محاربي الحرب الباردة.».
وها هنا في مصراتة، وعلى خطوط الجبهات بين القوات الموالية للقذافي والثوار الليبيين، يتواجد 10000 شركسي من جديد في صخب الحرب. قبيلة ملتحمة وتتمتع بسمعة المحاربين، هؤلاء الشراكسة، من أصول شمال القوقاز ما يعرف الأنبروسيا، يتلقون تودد «قائد الثورة». في 8 مارس، وفقا لموقع مؤسسة جيمس تاون وهي مؤسسة فكرية أمريكية، أرسل القذافي مبعوثين إلى عمان للتفاوض مع مجلس قبيلة شراكسة الأردن لإقناع إخوتهم في مصراتة للحاق بالنظام. كما قد وفّر القذافي طائرة تحت تصرف المجلس لضمان نقل ممثليهم إلى مصراتة.
كان من الأفضل تجهيز الوسائل. النجاح كان أبعد من أن يضمن. وكما ستفشل هذه المبادرة فيما بعد.
في الواقع، قد تم تهميش هذا المجتمع، وهو عبارة عن مجموعة قبائل أكثر من أن يكون شعبا، منذ عام 1975 وبعد محاولة الانقلاب التي قام بها أحد الشراكسة الرائد عمر المحيشي. ومنذ ذلك الوقت عهد القذافي جيشه لأقاربه وليس لقبائل أو مجتمعات مختلفة ومتنوعة. وبهذا انشغلت كبرى العائلات الشركسية في مصراتة بالتجارة.
مع ذلك، في ذاكرة تلك العائلات، لازالت فكرة الحرب موجودة. وتعتقد نفسها أنها ترجع إلى المماليك، العبيد المحررين والذين كانوا يشكلون ميليشيات الخلفاء المسلمين والإمبراطورية العثمانية. الكثير منهم ترجع أصوله إلى القوقاز (على الأقل منذ القرن الرابع عشر). بعد سنة 1805، عزز محمد علي باشا، ذو الأصول الألبانية وأصبح قائد الجيش العثماني، حكم سلالته التي أقامها بمصر بأن أخفى كل من يهدد سلطته. بدءا من المماليك: بأن نصب لهم فخا دمويا في الأول من مارس عام 1811 في قلعة القاهرة. أما من استطاع الهروب فقد اتجه إلى الغرب إلى ليبيا في الوقت الحاضر.
ولكن من الممكن أن بعض شراكسة مصراتة، مثل أغلب إخوتهم الذين تشتتوا في المنطقة، وخاصة في تركيا(حيث يبلغ عددهم الآن من 1 إلى 2 مليون )، خرجوا جراء النفي الإجباري لعام 1864. ونظرا لتقدم جيش القيصر على أراضيهم في شمال غرب القوقاز، اقترح ممثلي الشركس انصياعهم للإسكندر الثاني في مقابل هدم الحصون التي بنتها قواتهم مؤخرا في جبالهم. كان الرد فظيعا: «ستذهبون للاستقرار في الأماكن التي نحددها لكم أو تهاجروا إلى تركيا.»
رضخ 100000 شركسي لرغبة القيصر واستقروا في سهول كوبان. أما الغالبية الساحقة، بين 700000 و1.5 مليون شخص، قاوموا قبل أن يجبروا على نفي رهيب عبر البحر الأسود حيث مات الكثير من الجوع والمرض. كما وضّح المؤرخ مايربك فاتشاقايف: « هذه الإبادة الجماعية هي الفكرة الوحيدة التي توحد الشركس، سواء هؤلاء الذين تشتتوا أو الذين مازالوا يعيشون في روسيا، بقدر ما كانت هذه القضية مؤلمة» (اقرأ جان ارنولت ديرون ولورلن جيسلان، «البحر الأسود من ميناء إلى ميناء» لوموند ديبلوماتيك اغسطس 2010).
ويا للسخرية القدر، فهاهم أحفاد من بقى في القوقاز الشمالية – وهي منطقة ضحية متمردين إسلاميين ليست إلا أخر تجسيد لغزوات القرن التاسع عشر- من يخدم مصالح فلاديمير بوتين في المشاحنات التي أجراها مع الرئيس ميدفيدف. إن رئيس الوزراء الروسي ليس من النوع الذي يأبه لمصير أسلافه. لكن، خلال شهر مارس 2011، انتقد ديميتري ميدفيدف بشدة بوتين بعد أن قارن التدخل الغربي بليبيا بالحرب الصليبية. يبدوا أن شبكاته أقنعت مجموعات وشخصيات مختلفة من تشركيسيا قراتشاي لتقديم مساعدتهم للعقيد القذافي.
في عام 1864، أخذ الانتصار مظهرين للقيصر. كأن«بقدر ما كان انتصار لصعوبة فتح القوقاز بقدر ما كانت انتكاسة لحقت الإمبراطورية البريطانية في محاولتها بقطع الطريق على روسيا إلى البحار الساخنة» كما ورد في تقرير الصحفي ايريك هويسلي، هذه القصة الرهيبة هي حلقة من « اللعبة الكبرى»، نوع من الحرب الباردة التي خاضتها الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية في القرن التاسع عشر.
وفي هذه « اللعبة»، تلعب لندن أوراقها أحيانا مع وكلاء ضعيفي التأثير. مثل ديفيد اوركاهارت، نصفه رجل أعمال والنصف الآخر جاسوس، الذي، في أعوام 1830، يشجع الشركس على إنشاء دولتهم. «لورانس القوقاز» الذي نشر «إعلان استقلال الشعب الشركسي»، ووفّر لهم علم وطني.
وبعد مرور قرن ونصف، بقت سنة 1864 في عمق ذاكرة القوقازيين. بعد أن غزت روسيا جزءا من بلادهم في أوائل أغسطس 2008، قرر البرلمان الجورجي إثارة شبح الاعتراف ب «الإبادة الجماعية للشركس». هذا وقد تم ذلك في 20 من مايو الماضي بواسطة تصويت بالجماع في البرلمان، مما أثار غضب الكرملين في حين أن سوشي، مدينة في شمال غرب القوقاز، ستستضيف الألعاب الاولمبية لشتاء 2014.
وفقا لعالم السياسة السيد غيا نوديا، احد المقربين من الرئيس الجورجي، « هذا الاقتراح كان إجابة لدعوة من ممثلي الشركس. والحكومة الجورجية أعطتهم الفرصة لاثارة القضية». لا تهتم إدارة اوباما، التي تسعى لتحقيق الاستقرار في علاقتها مع موسكو، بهذا الموضوع. وقد صرح جامب كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية للولايات المتحدة، بأن« الجهود العامة لجورجيا لإقامة علاقات مع مختلف المجموعات العرقية في القوقاز في شمال روسيا تساهم في تغذية الضغط داخل المناطق». وعلى هذا ردّ السيد نوديا: «لا أرى في ذلك شيء من طبيعته زعزعت الاستقرار في المنطقة. شخصيا ليس لدي أي شيء ضد محاربي الحرب الباردة.».
مشكور
ردحذف